الحمدلله والصلاة والسلام والسلام على أشرف خلق الله اجمعين أما بعد:
أقدم هذا البحث والذي يحمل عنوان:
"المذهب الإباضي ودوره في التقريب الحضاري بين المسلمين"
لقد تناولت في هذا البحث عدة نقاط منها:
# نشأة فرقة الإباضية في البصرة وانتشار المذهب الإباضي.
# حقيقة تسمية اتباع جابر بن زيد بالإباضيين.
# ماذا قيل عن الإباضية والمراد بالخوارج.
# جابر بن زيد وعبدالله بن إباض و أبو عبيدة وعدد من الشخصيات التي برزت في هذا المذهب.
# الإباضية في المشرق والمغرب.
# الدولة الرستمية.
# علاقة الإباضيين ببعضهم في شتى أنحاء العالم منها : مصر وأفريقيا و الهند واندونيسيا والمغرب والبحرين وغيرها من البلادان.
# الأصول التسعة للمذهب الإباضي.
وهذا ماتضمنه بحثي الثري...
((نشأة فرقة الإباضية في البصرة- حاضرة الخليج العربي))
ولدت فرقة الإباضية في مدينة البصرة – حاضرة الخليج العربي وفيها شبت ومنها أيضا تفرعت وانتشرت. وهي إحدى الفرق الإسلامية الكبرى التي بدأ ظهورها أثناء التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان في أعقاب معركة صفين سنة 37هـ \657 م. إذ رفض نفر من جند علي بن أبي طالب قبول التحكيم وهم اللذين عرفوا باسم الخوارج.
وقد حارب علي بن أبي طالب من سموا بالخوارج وانتصرعليهم في معركه النهروان في سنة 37هـ \657 م.
وقد اعتزل أفراد من أولئك الخوارج أو المحكمة أصحابهم بعد معركة النهروان وتوجهوا صوب البصرة وأخذوا يدعون لمذهبهم سراً خوفاً من بطش الدولة الأموية التي قامت بعد مقتل علي بن أبي طالب سنة 40 هـ \660 م.
وتزعم هذا الفريق الذين نزل البصرة أحد زعمائهم وهو أبو بلال مرداس بن أدية التميمي(ت61 هـ \671 م) حيث تكونت من هذه الجماعة البذرة التي نبتت منها الفرقة الإباضية وهي الجماعة التي كانت تطلق على نفسها في ذلك الوقت اسم أهل الدعوة أو جماعة المسلمين.(1)
ويبدوا أن أبا بلال لم يكن راضيا عما حدث من خلاف وفتنة بين المسلمين عقب مقتل عثمان بن عفان ورأى أن القتال بين أتباع العقيدة الإسلامية أمر لا يصح فانسحب مع نفر من أصحابه وأقام مع أبناء عمومته من قبيلة تميم الذين كانوا يشكلون جزءاً هاماً من سكان البصرة آنذاك. وكان يتزعم هذه القبيلة الأحنف بن قيس السعدي التميمي (ت87 هـ \ 676 م) وينتمي إليها عدد كبير من أعظم الشخصيات السياسية والفكرية.
وفي ظل الحماية والرعاية والأحساس بالأمن أخذ أبو بلال ينشر آراءه وأفكاره مؤثرا طريق الإقناع والمناقشة والحوار والمجادلة على التطرف والعنف والصراع المسلح. بل إن ذلك كان اعتدالاً حيث أنكر قتل المخالفين واتباع طرق متطرفي الخوارج.
وقد نشط أبو بلال في البصرة لنشر دعوته وأفكاره فانضم إليه عدد كبير من الناس حتى أنهم ابتنوا لهم مسجداً خاصاً في البصرة.(2)
ولاقت دعوة أبي بلال استجابه كبيرة جعلت عبيدالله بن زياد وإلى العراق الأموي يقول "لكلام هؤلاء (أبو بلال وأتباعه)أسرع إلى القلوب من النار إلى اليراع". انضم إلى هذه المجموعه الفقهية العماني المعروف جابر بن زيد الازدي الذي يلبث أن أصبح رئيس الجماعة والمؤسس الحقيقي للحركة التي عرفت باسم "الإباضية" وانضوى الجميع تحت إمرته بما فيهم أبو بلال نفسه ولكن الجماعة آثرت ألا تبيح باسم جاب بن زيد خوفاص عليه من بطش ولاة أمية.
ونتيجة للاضطهاد الذي تعرض له أتباع تلك الجماعة خرج أبو بلال من البصرة لنشر آراء وأفكار تلك الجماعة في مناطق لم تصل إليها من قبل ورغم السياسة المعتدلة ورفض العنف التي سار عليها أبو بلال خشى ابن زياد والي العراق نشاطه وانتشار دعوته فندب إليه الجيوش وقضى عليه مع اربعين من أصحابه في عام (61 هـ 677 م) (في نفس العام الذي استشهد فيه الحسين بن علي بن أبي طالب)
وبعد استشهاد أبي بلال بثلاثه أعوام (64 هـ \681 م) حدث انقسام نهائي بين المحكمة فمال فريق منهم إلى التطرف بينما حبذ الفريق الآخر الاعتدال.
وقد انتهى هذا الخلاف إلى انشقاق أبدي بين الفريقين ظهر على أثره جماعة القعدة المحكمة التي آثرت الهدوء والاعتدال وعدم التطرف والسير على نهج أبي بلال في عدم اعتراض ومهاجمة الناس إلا دفاعاً لعدوان.(3)
وفي بداية الربع الأخير من القرن الهجري انقسم أولئك القعدة إلى فرقتين: الصفرية والإباضية. والفرقة التي سميت بالإباضية ترجع في أصولها إلى اتباع الفقهيه جابر بن زيد العماني الذي لعب دوراً كبيراً في بلورة آراء وأفكار تلك الجماعة بحيث أصبح هذا الفكر متميزاً عن غيره من المذاهب – رغم أنه- (أي جابر) لم يحاول تأسيس مذهب خاص فقد كان يدين بالدين الإسلامي ويتبع سنة الرسول – صلى الله عليه وسلم-
الإباضية أحد المذاهب الإسلامية، ويؤمن أهله بأنه "مذهب أهل الحق والاستقامة". سمي الإباضية بهذا الاسم نسبة إلى (عبد الله بن أباض التميمي)، والمؤسس الحقيقي للمذهب هو جابر بن زيد التابعي الجليل, وتنتشر الإباضية في سلطنة عُمان حيث يمثلون 75% من العُمانيين وينتشر أيضا في جبل نفوسة وفي زوارة في ليبيا ووادي مزاب في الجزائر وجربة في تونس وبعض المناطق في شمال أفريقيا.[1]
انتشار المذهب الأباضي
يعتبر المذهب الإباضي أول مذهب يظهر على الساحة الإسلامية قبل المذاهب الجعفريه الثناعشريه أهل السنة والجماعة(المالكية والشافعية والحنابلية والحنفية) ان اتساع دائرة المذهب الأباضي كدعوة إسلامية سياسية عامة جعل المذهب لا يكسب طابعا خاصا يغلب عليه مدرسة بعينها أو ينسب إلى مدينة بعينها كالبصرة، فَإِنَّ الباحث يتردد كثيرا قبل أَن يرسل حكما عاما يربط فيه المذهب بمركز التجمع الإباضي في البصرة، فقد كانت تجمعات مماثلة في كل من الكوفة ومكة والمدينة وخراسان عرف منها علماء بارزون مختارون، سجلت أقوالهم في الآثار المبكرة لعلماء "الإباضية".واكتملت صورة المذهب وتم تحرير أقواله وآرائه في صورتها النهائية في أواخر أَيَّام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة، الذي خلف عبد الله بن اباض على إمامة أشياخ المذهب في البصرة، وهي مركز التجمع الأساسي لعلماء الإباضية؛ حتَّى قرابة نهاية القرن الثالث. وعنه حمله طلبته الذين وفدوا عليه من المغرب والمشرق إلى بلدانهم، التي أضحت (من بعد) مراكز "لدول إباضية"، لعبت دورا سياسيا خطيرا، في كل من جنوب الجزيرة وشرقها (اليمن، وحضرموت ثُمَّ سلطنة عمان وفي شمال أفريقيا: ليبيا، تونس، الجزائر).وقد عرف هؤلاء التلاميذ باسم خاص تطلقه عليهم كتب السير والطبقات "الإباضية" هو اسم: "حملة العلم".(1) من"الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة".
حياة الإباضية على عمومها تعتمد على ثلاثة أسس:
1- التجارة: وقد اشتهر بها أهل جربة وارجلان ووادي ميزاب حتى أن الاقتصاد في كل من الجزائر وتونس كان يعتمد اعتماداً أساسياً على مواهب الإباضية في التجارة ولا تخلو مدينة أو قرية في الجزائر وتونس – في قرون طويلة – من الأيدي البارعة لتجارة الإباضية.
2- الصناعة: ولاسيما صناعة الصوف وقد اشتهر بها جبل نفوسه وجبال دمر ووادي ميزاب فكانت هذه الصناعة تكون ركنا هاما من دخل الأسرة ومن اقتصاد البلاد حتى إشتهرت في الأسواق.
3- الزراعة: وهي مصدر أساسي للثرة وتقوم في جميع مواطن الإباضية لاسيما الوحدات. (2)
قيل عن الإباضية
*"وكل من يتهم الإباضية بالزيغ والضلال فهو ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعاً ومن الضالين الجهال جمع الله مافرقوا ورتق مافتقوا ومزق شمل أعوان المستعمرين والله محيط بالكافرين".
ــــــ<<<خلاصة الرسائل في ترتيب المسائل طبعة سنة 1356هـــ
عضو المجمع العلمي العربي عز الدين التنوخي
*"وإذا كان الإباضيون أصحاب أمجاد في الماضي فلا زالوا كذاك في عصرنا الحاضر".
إسلام المذاهب الإسلامية محمد أحمد أبو زهرة
*" قول ابن إباض أقرب الاقاويل الى السنة".
الكامل : المبرد
*"ورجال الإباضية يضرب بهم المثل في التقوى والصلاح والزهد".
تاريخ فلسفة الإسلام في القارة الأفريقية : يحيى هويدى
*"إطلاق لفظة الخوارج على الإباضية – أهل الإستقامة - من الدعابات الفاجرة التي نشأت عن التعصب السياسي أولا ثم المذهبي ثانيا".
أبو إسحاق طفيش
*"يمكن أن تعتبر الإباضية أستاذة الفرق الإسلامية في تأصيل قضايا العقيدة".
بيوض إبراهيم بن عمر.(1)
(1)من كتاب الأباضية بين الفرق الإسلامية – عند كتاب المقالات في القديم ووالحديث- تأليف علي يحيى معمر – الجزء الأول 1406هــ - 1986م "لوزارة التراث القومي والثقافه سلطنة عمان"من جامعة السلطان قابوس من المكتبة الرئيسية.. من الصفحة (6-7).
المراد بالخوارج:
قلما يوجد من وضع حداً للفظ الخوارج يمكن من خلاله تصنيف فكر معين على أنه فكر خارجي. وسبب الإشكالية في هذا الأمر الربط الحاصل بين الوارج – كفرقة – وبين الأحاديث المحمولة عليهم لأن الصفات والخصائص التي تسرد كميزات للخوارج غير محصورة فيهم، بل نجد غيرهم من يتصف بها أو ببعضها، وهذا ما أفضى إلى عدم الانضباط فيما يصدق عليه هذا الاصطلاح.
ومن خلال تتبع المصادر التي تتحدث عن الخوارج يمكن إرجاع مصطلح "الخوارج" إلى أكثر دلالة هي كما يلي:
1- دلالة تاريخية :
يتفق عدد وافر من الباحثين على أن الخوارج هم: " الذين خرجوا عن علي في حروراء والنهروان ومن انتمى إليهم فيما بعد" ، وهذا هو أشهر تعريف، وهو تعريف تاريخي فرقي، حيث نتج عن موقعة صفين ثلاثة تيارات، أصبحت تعرف فيما بعد: سُنة، شيعة، خوارج.
ويصدق على الدلالة التاريخية جماعة المحكمة ومن بقي من أهل النهروان، والذين انقسموا في عام أربعة وستين للهجرة إلى أزارقة، نجدات، صفرية، إباضية.
2- دلالة عامة:
قال الشهرستاني في تعريف الخارجي بأنه: "كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة في كل زمان" ، وهو كما لا يخفى تعريف عام، فيقصد على هذه الدلالة كل من المرتدين في زمن أبي بكر الصديق، ويصدق أصحاب الجمل عندما خرجوا على الإمام علي، ويصدق على معاوية حينما خرج على الإمام الشرعي، وهكذا.
وبالتالي لا ينطبق فقط على منكري التحكيم ومن جرى مجراهم.
3- دلالة دينية:
وهي المروق من الدين ومخالفة لزوم الجماعة، وهذه الدلالة مرتبطة بالحكم الشرعي لأنها مستفادة من نص شرعي.
فقد وردت أحاديث كثيرة، تصور حقيقة الخوارج وصفاتهم والحكم عليهم سواء في الدنيا أو في الآخرة، وعن طريق هذه الأحاديث وما زيد عليها من زيادات ارتسمت لدى جمهور الأمة صورة سلبية عن الخوارج، مما جعلهم فرقة منبوذة، وقد انسحبت تلك الصورة السلبية على جميع معارضي التحكيم وأهل النهروان ، مع أن الصفات الواردة في بعض الأحاديث لا تنطبق إطلاقاً عليهم، ولم يرتكبوا من الجرائم مايساوي تلك الأحكام.
ومن تعدد استعمال لفظ الخوارج يصعب أن نحدد له معياراً معيناً، ونزولاً على الشائع عند الكتاب والمؤرخين والمحدثين نجد أن الدلالة الدينية – المروق من الدين – هو الأكثر استعمالاً.
ومع إمعان النظر في النصوص الشرعية، وتطبيقها على المآخذ التي أخذت على الخوارج يتبين أن تشريك الخالفين وما يتبعه من احكام هي الصبغة البارزة التي تجمع فكر الخوارج.
ومن هنا نستطيع القول أن معيار تمييز الخوارج من غيرهم هو تشريك المخالف لهم، فكل من يقوم بتشريك مخالفة يُعد من الخوارج سواء في القديم أو الحديث.(2)
(2) من كتاب : الفكر العقدي عند الإباضية "حتى نهاية القرن الثاني الهجري"،تأليف : د. مسلم بن سالم بن علي الوهيبي.،نشر وتوزيع : مكتبة الضامري للنشر والتوزيع،الطبعة الاولى 1427هـــ \2006م من الصفحة(73-75)
حقيقة تسمية أتباع جابر بن زيد بالإباضية:
أما عن تسمية تلك الفرقة – من أتباع جابر بن زيد- بالإباضية فهي نسبة إلى عبدالله بن إباض الذي تعتبره الغالبية العظمى من المصادر غير الإباضية مؤسس المذهب الإباضي وذلك على العكس من المصادر غير الإباضية تعتبر جابر بن زيد هو المؤسس الحقيقي لتلك الفرقة وهم على حق في ذلك وفي تأكيد إمامة جابر بن زيد وأنه هو صاحب ومؤسس الفكر الإباضي. فحقيقة الأمر أن عبدالله بن إباض – بالرغم من أنه – أحد علماء وشجعان ودعة الإباضية وهو المناظر والمجادل باسم أتباع جابر بن زيد وبالرغم من انه لا يقل في التقوى والورع والإصلاح والنزاهة عن جابر بن زيد إلا أنه لا يعتبر المؤسس الاول لتلك الفرقة وأنه تابع لجابر بن زيد المؤسس الحقيقي للفقة الأباضي.(3)
والباحث وراء السبب في عدم إظهار الإباضية لأسم الإمام جابر بن زيد منذ البداية وإصرار جماعته على إخفائه أيام عبدالله بن إباض ثم ما تلاه من أيام أبي عبيدة مسلم التميمي يكمن في تفضيل أتباعه تلك الفرقة أن تبقى الحركة سرية بقدر الأمكان وأن يبقى اسم مؤسسها وصاحب فكرها مستوراً حتى لا يبطش به الأعداء والولاة نظراً لما لقيه أتباع الفرق المعارضة للدولة الأموية من عنت واضطهاد وبطش.
وشاع في عصرالدولة الأموية – بسبب ما أنزلته من اضطهاد بالخارجين عليها – إنتساب الفرقة إلى عبدالله بن إباض ولم ينسبوها إلى جابر بن زيد حتى لا يجذبون إليها الأنضار وذك بسبب مكانة جابر الفقهية الرفيعة وعلمه الواسع ومنزلته بين فقهاء البصرة فنسبوا هذه الفرقة إلى عبدالله بن إباض الأقل منزلة من جابر في العلم والفقة وهو أمر يجب أن يوضع موضع الاعتبار عند النظر إلى سياسة الدولة الأموية التي اعتمدت في كثير من تصريفاتها للأمور السياسية على الحيل والدهاء والمكر السياسي الذي لا يضع أبطالاً من المعارضين لحكم الدولة الأموية. ويبدوا أن الإباضية أنفسهم قد آثروا الصمت عن التسميات العديدة التي أطقلها عليهم غيرهم من الطوائف حتى أن اسم الأباضية نفسه لم يتردد في مراجعهم الأولى التي كتبها كبار مشايخهم مثل " مدونة أبي غانم الخراساني" وكتاب "الزكاة لأبي عبيدة" وغيرها ولكن يبدو أنهم مع مرور الزمن وإصرار مخاليفيهم على تسميتهم بهذا الاسم قد قبلوه به وخصوصاً أنهم لم يجدوا فيه ما يؤذيهم أو يسيء إليهم وقد ظهر لأول مرة في المؤلفات الإباضية المغربية في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري.(4)
وهناك احتمال لابد من أخذه في الاعتبار وهو المكانة العزيزة لجابر بن زيد وتأثيره الشخصي في الرأي العام والخوف عليه من بطش الأعداء إن هو ظهر غمام دولة ليست في مجابهة معارضين كالدولة الأموية. ولذا حرص الإباضية على إخفاء دور جابر بن زيد في الفرقة وقيادته لها ولذا فإن استمرار الإباضية في قبول تسمية الأمويين لهم نسبة لعبد الله بن إباض كان له أسبابه ودواعيه الأمنية من الجانب الإباضي غير أن هناك حقيقة لا يجب إغفالها وهي حقيقة ترتبط بشخصية عبدالله بن إباض وقدرته على المجادلة والمناظرة ووضوح حجته في عرضها أمام مخالفيه في نفس الوقت الذي تزايدت فيه الإشاعات والأقاويل حول إرهاب الخوارج وإشاعتهم للفزع بين المسلمين فكان لابد أن تنفى الإباضية عن نفسها تهمة التصاقهم بالخوارج أو انخراطهم في زمرتهم وتنزيه فكرهم عن فكر الخوارج المتطرف وتوضيح حقيقة أفكارهم حرصاً على أتباعهم من ناحية وحفاظاً على قوة الجذب الكامنة في فكرهم باعتباره فكراً معتدلاً يهدف إلى أن تقوم الدولة الإسلامية في حكمها على قواعد الشريعة الإسلامية والسنة النبوية العطرة التي لم تشوبها شائبة من أمثال تلك المظاهر الغريبة التي وفدت على الدولة الإسلامية من شعوب الأقاليم التي فتحها المسلمون من ناحية أخرى.
وهكذا ظهرت الحاجة الشديدة لمتحدث شديد المراس قادر على عرض أفكار الفرقة بطريقة جيدة واضحة مقنعة الأمر الذي تطلب ترشيح شخص مناسب من الفرقة الإباضية فوقع اختيار فقهاء وكبار الفرقة على عبدالله بن إباض باعتباره أجدر من يقوم بتلك المهمة لما يتمتع به من فقه وعلم وإفصاح ونزاهة ومقدرة فتئقة على المجادلة والمناظرة لذا كان ابن إباض هو المؤهل للقيام بمهمة الدعوة خصوصاً أنه ينتمي إلى قبيلة تميم إحى قبائل البصرة الكبرى آنذاك ومن الصعب على الولاة أن يتعرضوا له بأذى خوفاً من غضب قبيلتة.(5)من الكتاب : الإباضية في الخليج العربي في القرنين الثالث والرابع الهجريين.
[center]
[/center]
صيدلانية عضو جديد
عدد المساهمات : 16 متغير : 0 تاريخ التسجيل : 24/09/2011 العمر : 32
جابر ين زيد العماني" المؤسس الحقيقي للفرقة الإباضية":
تستمد آراء وأفكار عبدالله بن إباض وينابيعها من جابر بن زيد الازدي الجوفي البصري أو أبو الشعثاء نسبة لابنته: من قبيلة اليحمد الأزدية في عُمان وقد عرف بالجوفي نسبة إلى درب الجوف في البصرة حيث استقر مع أسرته فيما بعد وقد ولد في فرق من أعمال نزوى في عُمان.
أما السنة التي ولد فيها فلا تعرف على وجه التحديد وتعطى المصادر تواريخ مختلفة إلا أنها كلها محصورة بين عامي 18 و22 هجرية (639م – 641م) وترجع سنة 21 هـ 640) . كما لا تذكر المصادر أيضاً تاريخاً لقدومه إلى البصرة ويبدو أنه جاء في وقت مبكر من حياته طلباً للعلم حيث كانت البصرة آنذاك أهم مركز فكري في العالم الإسلامي واستقر بين أقاربه من الأزد الذين سكنوا أحد أحياء البصرة.
وقد كان جابر يكنى بابنته"الشعثاء" والتي لا يزال قبرها معروفاً في مدينة "فرق" في عمان إلى الآن وأما الوعثاء في أصلها اللغوي فهي المشتقة والجهد.(6)
ويروي عنه أنه قال: "أدركت سبعين بدرياًفحويت ماعندهم من العلم" وفي القول دلالة على أن جابر قد أخذ عن مجموعة من الصحابة ممن عايشوا ورافقوا الرسول-صلى الله عليه سلم- ونقلوا عنه علمه وسنته الشريفة وفي مقدمتهم عبدالله بن عباس وعبدالله بم عمر وعبدالله بن مسعود وأنس بن مالك وغيرهم كما أخذ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. إلا أنه كان أكثر ملازمة لعبدالله بن عباس من غيره فكان أنجب تلاميذه وكان عبدالله بن عباس يقول عنه :
"لو أن اهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علماً في كتاب الله" وفي رواية أخرى عبدالله بن عباس كان يحيل سائليه ألى تلميذه جابر ويقول: "اسألوا جابر بن زيد فلو سأله أهل المشرق والمغرب لوسعهم علمه"
كما قال أيضاً ابن عباس رضي الله عنه : "عجباً لأهل العراق كيف يحتاجون إلينا وفيهم جابر بن زيد !!". ولما توفي جابر بن زيد قال أنس بن مالك صاحب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- : "اليوم مات أعلم من على ظهر الأرض ". كما شهد لجابر بالفقة والعلم والدين وسماحة الخلق كثير من الصحابة والتابعين.(7)
وقد روى عن جابر أكثر وأشهر أهل المذاهب واعتمدوا على ثقته وأمانتة فروى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم. حيث لم يكتف جابر بمن التقى بهم في البصرة بل كان يرتحل إلى أماكن أخرى طلباً للمزيد من العلم ولا يترك فرصة يتزود فيها بالعلم إلا واغتنمها فكان يتردد على الحجاز ويلتقى بالسيدة عائشة رضي الله عنها ويأخذ عنها العلم ويسألها عن سنة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم- ليعرف منها أدق الأسرار عن السنة الشريفة وقد أهلته معرفته العميقة لأن يصبح من أعظم فقهاء البصرة وصاحب شهرة في منطقة الخليج العربي وواضع أساس نشاط الإباضية السياسي فيما بعد في القرنين الثالث والرابع للهجرة.
وقد ألف كتاب أسماه "الديوان" كان من الضخامة بحيث يعجز عن حمله البعير ويقع في عششرة أجزاء كبيرة وكانت نسخة منه موجودة في إحدى مكتبات بغداد الكبرى في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد وتوارثها أئمة الإباضية في البصرة. ولا شك أن جابر قد وظف علمه ومواهبه في خدمة مبادئه التي آمن بها كما اقتنع بطريقته السلمية في نشر الدعوة التي رسمها ووضع أسسها وخطوط السير فيها واستفادته من نتائج الثورات السابقة والتي أملت عليه إتباع الطريقة السرية في بداية تأسيس فرقته لإبعادها عن بطش رجال السلطة المركزية.
وقد انضم جابر لفرقة القعدة المحكمة(الإباضية) بعد أن اشتد عودها وقوى شأنها وذلك بعد انتهاء السنوات الأولى من خلافة عثمان بن عفان (حوالي سنة 29 هـ) (
وكذلك بعد قبول علي بن أبي طالب للتحكيم ومبايعة الخارجين على التحكيم عبدالله بن وهب الراسبي أميرأ للمؤمنين في سنة (37هـ \657) . فلم يكن لجابر بن زيد أي دور في زعامة تلك الحركة بعد وفاة عبدالله بن وهب الراسبي مباشرة لأن جابراُ آنذاك كان لا يزال شاباً صغيراً يتراوح عمره بين السادسة عشر والعشرين سنة فقط ومن غير المحتمل أن يكون في هذه السن قد اكتسب العلم الكافي والخبرة الضرورية ليتقدم أصحابه زعيماً مرشداً لهم.
ويتضح من المعلومات الوارده في المصادر الإباضية المتوافرة أن جابر بن زيد قد انضم إلى العقدة أبان ولاية عبدالله بن زياد الأموي (56\676 م- 64\684 م).
عبدالله بن إباض
هو عبدالله بن إباض من بني مرة بن عبيد رهط الأحنف بن قيس التميمي نشأ في زمان معاوية بن أسفيان، وأنه عاش إلى زمن عبدالملك بن مروان.
ولا تذكر المصادر المتوافرة على اختلافها وتنوعها، شيئاً عن حياة ابن إباض الأولى ولا عن مكان ولادته وتاريخها ، كما أنها تغفل تماماً ذكر أي معلومات عن كيفية انضمامه للحركة الإباضية، ولا يرد اسمه في المصادر قبل اشتراكه مع المحكمة لمحاربة الجيش بجانب ابن الزبير عام 63 هــ.(1)
علاقة عبدالله بن إباض بجابر بن زيد:
تتفق المصادر التاريخية إباضية أو غير إباضية على نسبة الإباضية إلى عبدالله بن إباض، ولكنها تختلف
في أهمية هذه النسبة علمياً وعملياً، ونظرياً وتطبيقياً.
المصار غير الإباضية ترى أن مؤسس حركتها الإمام جابر بن زيد، في حين تصر بعض المصادر غير الإباضية على أن عبدالله بن إباض هو إمام ومؤسس المذهب الإباضي.
والذي يظهر أن هناك إشكاليات تتعلق بهذه القضية يمكن إجمالها فيما يلي:
أولاً: لقد برز عبدالله بن إباض زعيماً سياسياً، وبطلاص ميدانياً محنكاً، ومناظراً صلباً، مما لفت إليه أنظار السلطة الأموية، فنسبوا الفرقة إليه، وقد يكون هذا أيضاً من عمل الخوارج المتطرفينالذين اختلف معهم، و لاسيما بعد استعراضهم المسلمين بالسيف والحكم عليهم بالشرك، فقد تميزت الفرق في تلك المرحلة بأسماء زعمائهم.
ثانياً: إن اهل الدعوة لم ينكروا هذه التسمية ولم يردوها نظراص للمكانة التي يتبوؤها من الحركة تقوى وصلاحاً، علماً وحزماً، وبذلك ارتظوها فصارت اسماً للجماعة، وعلماً عليها بعد أن صار لكل طائفة أو فرق اسم تعرف به.
ثالثاً: إن أهل الدعوة كانوا ضنينين بشصية إمامهم وعالمهم جابر بن زيد من أن تصل إليه يد الجبابرة من الأمويين، وقد كانوا يلاحقون العللماء المعارضين بالتعذيب والتقتيل، وحت يصرفوا الأنظار عنه دفعوا إلى الواجهة أحد تلاميذته ومريديه القادرين على التحرك لا سيما وأن ابن إباض ينتمي إلى تميم إحدى أهم قبائل البصرة جاهاً ونفوذاً مما يضمن له الحماية من قبيلة والدفاع عنه إذا تعرض لمكروه، على أن العلاقة بين إباض وجابر أكدتها المصادر التاريخية.(2)
ومن المحتمل أن جابراً كان الإمام الروحي وفقيه الإباضية ومفتيهم، وكان بالفعلهو الشخص الذي بلور الفكر الإباضي بحيث أصبح متميزاً عن غيره من المذاهب الإسلامية، وكان بن إباض المسؤول عن الدعوة والدعاة في شتى الأقطار، ولذلك سمته المصادر: رئيس القعدة في البصرة وغيرها من الأمصار، وتاريخ الدعوة الإباضية يشير إلى اشتراك بعض الأشخاص البارزين والمجتهدين في المسؤولية إلى جانب الإمام الأكبر لهم. (3)
وفاتــــه:
لا تذكر المصادر الإباضية وغير الإباضية شيئاً عن وفاة ابن إباض، ومتى كانت ويبدو أن نشاطه الدعوي قد توقف لسبب أو لآخر لا نستطيع البث فيه، بعد مراسلاته إلى عبدالملك بن مروان.
أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة:
هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة البصري التميمي بالولاء ولربما كان من أصل فارسي واسمه كودين أو كُرزين أو كُرين ولد بالبصرة وعاش بهاء ويقال إنه كان زنجياً أسود اللون، أعور، عاش فقيراً يقتات من عمل السعف يصنع منها القفاف ولذلك لقب بالقفاف، ولد قرابة عام 45هـــ.
حيــــاته:
أخذ الإمام أبو عبيدة العلم عن شيوخ اجلاء مثل الصحابي صحار العبدي، وجابر بن زيد وجعفر بن السماك، وضمام بن السائب، وهم أشهر علماء الإباضية في مرحلة الكتمان.
وقد اشتهر بالورع والتقوى والزهد الانقطاع للدعوة إلى الله، فكان مضرب المثل في كل ذلك حتى قيل: إنه تعلم أربعين سنة، وانقطع للتعليم أربعين أخرى، وترك تلامذة أعلاماً حملوا الدعوة من بعده، ونشروها في أصقاع الأرض من المشرق والمغرب.
تبوأ أبو عبيدة مكانته في الدعوة الإباضية عملياً بعد وفاة الإمام جابر سنة (93هــ) وبعد خروجه من سجن الحجاج بعد وفاة هذا الأخير سنة (95هــ).(#)
فهو يعتبر الإمام الثاني للإباضية بعد جابر بن زيد، قيل عنه كان رجلاً في أمة وأمة في رجل، اجتمع فيه الفقة والرواية والسماعة، وقد استطاع أن يقين ثلاث دول مستقلة عن السلطة الأموية والعباسية، الأولى في حضرموت واليمن على يد تلميذه طالب الحق والثانية في عمان على يد تلميذه الجلندى بن مسعود والثالثة في المغرب على يد تلميذه أبي الخطاب المعافري حكمت هذه الدول بين الناس بالعدل والحق كمنهاج الخلافة الراشدة.
وعموماً كثرت الدراسات الحديثة عن هذه الشخصية المتميزة ويبدو أن أشمل هذه الدراسات أطروحة الراشدي تحت عنوان :الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة وفقه"
وفاتــــه:
اختلف كثيرون في تاريخ وفاته لكن كل الأقوال تقع ما بين سنة (145هــ - 157هــــ)(##)
(# و##)كتاب:الفكر العقدي عند الإباضية "حتى نهاية القرن الثاني الهجري"
شخصيات أخرى برزت
1- الربيع بن حبيب الفراهيدي وهو يعتبر الإمام الثالث للإباضية.
2- سالم بن ذكوان.
3- أبو حمزة المختار بن عوف الشاري.
4- خلف بن زياد البحراني.
5- أبو مودود حبيب بن حفص الهلالي.
6- أبو أيوب ائل بن أيوب الحضرمي.
7- شبيب بن عطية العماني.
8- أبو مودود حاجب الطائي.
9- موسى بن أبي جابر الأزكوي.
10- منير بن النير الجعلاني.
11- أبو سفيان محبوب بن الرحيل.
12- طالب الحق.
13- عبدالوهاب بن عبد الرحمن الرستمي.
14- أبو غانم الخراساني. (3)
صيدلانية عضو جديد
عدد المساهمات : 16 متغير : 0 تاريخ التسجيل : 24/09/2011 العمر : 32
إذا سجلنا تاريخ نشأة الإباضية بظهور عبدالله بن إباض على الساحة السياسية في البصرة وبالتحديد في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان (65- 86هـ ) فأننا نستطيع رصد الحركة الإباضية في المشرق انطلاقاً من البصرة على يد الإمام جابر بن زيد الذي اتبع سياسة حكيمة تجاة السلطة، فكانت الفترة الأولى من زعامة جابر ذات مردود جيد لصالح الإباضية لدخوله في علاقات سلمية مع الحجاج – بواسطة زيد بن أبي مسلمة كاتب الحجاج، واستطاع اثناء ذلك أن ينشط في نشر الدعوة سراً وفي مأمن من مكر السلطة، وانطلق في ذلك أولاً من قبيلته ( أزد ) العمانية، فوجه إليها كل عنايته، وبحكم مركزه بين أقاربه فأنه لم يتلق صعوبة في إقناعهم، ولدرايته الجيدة بأبناء عمومته، وبهذا انضم إليه عدد وفير كان لهم الفضل في نقل تعاليم المذهب إلى أماكن عديدة من الجزيرة العربية.
ومن أسباب نجاح جابر في دعوته ما كان يتمتع به من مكانه علمية ودراية واسعة بعلوم القرآن الكريم والحديث حتى "شهد له الكثير من أهل العلم بالضبط والفطانة والصدق والأمانة فنقلوا آثاره في مؤلفاتهم واحتجوا بأقواله في أحكامهم" ، وقد تتلمذ عليه مشائخ كثيرون عرفوا فيما بعد بعلماء السنة الأمر الذي جعل ياقوت الحموي يعده من أئمة السنة، ومن أبرز تلاميذه وأكثرهم علماً أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، الذي انتهت إليه رئاسة المذهب بعد وفاة جابر، والذي وطد أركان الدعوة الإباضية حتى أصبحت حركة إسلامية سياسية شاملة اجتذبت عناصر من قبائل وأجناس متعددة، فكان على الزعيم الجديد – أبو عبيدة – أن يجتهد ما استطاع للمحافظة والدفاع عن المذهب وأن يسعى في الوقت نفسه لنشر الدعوة في كل جهة من البلاد الإسلامية ، وكل ذلك من دون إثارة غضب السلطة للمخالفين بأذى.
وبالفعل استطاع أبو عبيدة أن يشكل حكومة سرية تتكون من خيرة المشايخ ورجال العلم منهم : جعفر بن السماك وصحار العبدي، من الطبقة الثانية (50- 150هــ) ولضمان استمرارية الدعوة الإباضية في مأمن من الفتن ، وضع أبو عبيدة تنظيماً خاصاً للمجالس السرية تختلف باختلاف مهامها وبرامج عملها، وترتيب طبقاتها، يمكن أن نصنف هذه المجالس إلى ثلاثة أنواع:
أ)المجالس العامة: تضم كل شخص ينتمي إلى أهل الدعوة الإباضية، تعقد هذه المجالس عادة في بيت أحد المشائخ أو بيوت العجائز، حيث يطمئن المجتمعون، ويبتعدون ما أمكن عن أماكن الريبة، وبعيداً عن عيون السلطة ، ومهمة هذه المجالس هي نشر الدعوة عن طريق المواعظ والدروس التي يلقيها المشائخ حول عقيدة المذهب وتعاليمه، وقد يكلف المجتمعون بأوامر يجب تنفيذها.
ب)مجالس الأعيان: وهي خاصة بعلماء الدعوة وزعمائها يجتمعون في سرية تامة ويبحثون في شؤون الدعوة، وقضايا السياسة ودراسة الأوضاع، ثم يقررون خطة العمل التي يجب الالتزام بها، وتعتبر هذه المجالس بمثابة الهيئة العليا لحركة سرية تدرس وتخطط وتنظم وتقرر ثم تشرف على تنفيذ التوصيات.
ت)مجالس العلم: وهي حلقات للدراسة، يحضرها طلبة العلم الذين يفدون إلى البصرة من جهات مختلفة، ومن جنسيات متعددة، يتلقون العلم وأصول العقيدة، ويتدربون على منهجية الدعوة، وكل ذلك عن الإمام أبي عبيدة بن أبي كريمة.
وكانت تعقد هذه الحلقات في سرداب بناحية البصرة لا يعرفه إلا رواده من المشائخ والعلماء والدعاة الإباضيين المعروفين بحملة العلم، واستطاع أبو عبيدة أن يجعل من البصرة مركزاً لنشر الدعوة الإباضية فمنها كان (حملة العلم) يتخرجون ويتوزعون في كل أنحاء البلاد الإسلامية، وكان هؤلاء تربطهم بالمركز علاقات قوية، حتى إنه إذا استجد أمر واستعصى النظر فيه عادوا بالقضية إلى مشائخ البصرة.
وبما أن هذه الاجتماعات والدعوات تقام بالسرية ولان الأغلبية من أتباع هذا المذهب كانوا يطالبون بضرورة الانتقال من مرحلة الكتمان إلى مرحلة الظهور، إلا أن ذلك لم يكن بالأمر الهين، فالمسألة تتطلب الكثير من التعقل والاستعداد الجيد، خاصة وأن الأمام أبو عبيدة يرى أن القضية يتوقف عليها مصير الحركة الإباضية، فهو يعتبر جيداً بما آلت إليه الحركات الخارجية التطرفة من تشريد وإبادة، وبناء على ذلك تبني وجهة نظر معقولة، تضمن له تحقيق دولة إباضية في حالة الظهور وبأقل كلفة وتتلخص نظريته فيما يلي:
1-لا يمكن أن يخرج الإباضية من البصرة لإقامة إمامة مستقلة في ضاحية من ضواحي البصرة كما فعل نافع بن الأزرق وأتباعه، لأن ذلك يؤدي إلى صراع مع السلطة الحاكمة، وإمكانيات الإباضية غير كافية لرد العدو والدفاع عن النفس.
2-يستحسن البدء – أولاً – بإقامة حكومة مؤقتة سرية داخل البصرة تتولى تنظيم الحركة الإباضية داخل وخارج العراق ومن مهامها الأساسية تكوين الدعاة تكويناً دينياً واجتماعياً وسياسياً ثم تكليفهم بإقامة دول إباضية في جهات مختلفة من الوطن الإسلامي كبداية لإقامة إمامة إباضية شاملة على أنقاض الدولة الأموية.
وبفضل هذه السياسة، خرجت الحركة الإباضية من البصرة لتنتشر في أرجاء العالم الإسلامي، فوصلت إلى الكوفة والموصل وبقية أنحاء العراق، ودخلت مكة والمدينة ووسط الحجاز ثم اتجهت نحو الجنوب لتستقر في اليمن وحضرموت.
وفي عمان وجدت الدعوة الإباضية تربة صالحة لتنمو وتزدهر، الأمر الذي أتاح لعمان أن يلعب دوراً هاماً في تاريخ الإباضية حتى قيل: " بدأ العلم بالمدينة وفرخ بالبصرة وطار إلى عمان" وهذا ما اكده التاريخ، حيث أصبحت الديار العمانية المركز الروحي للإشعاع الإباضي خاصة بعد انتقال مشائخ البصرة إليها كما يعود الفضل إلى عمان في انتقال الإباضية نحو الهند والصين عبر جزيرة ابن كعوان "كيشم" ، كما انتشرت الدعوة كذلك في خراسان بالفرس عن طريق حملات العلم التي وجهها أبو عبيدة إلى تلك المناطق.
"من كتاب: الفكر العقدي عند الإباضية "حتى نهاية القرن الثاني الهجري"
الإباضية في المغرب:
وعلى غرار الإباضية جنوباً وشرقاً واصلت سيرها نحو المغرب عن طريق مصر التي أصبحت هي الأخرى مركزاً مهماً للدعوة الإباضية.
يقول الإمام عبد الرحمن بن رستم : أول من جاء يطلب مذهب الإباضية ونحن بالقيروان - أفريقيا – سلامة بن سعد قدم علينا من أرض البصرة ويبدو أن قدومه إلى المغرب كان بدافع نشر الدعوة، و لا يكون ذلك ضمن خطة مدروسة وضعها الإمام أبو عبيدة فقد كان يرسل بعض الدعاة لاستطلاع أحوال الناس في المغرب ومعرفة اتجاهاتهم ودراسة عاداتهم وتقاليدهم وطرق معيشتهم ومقدار تطورهم الفكري والحضاري ودرجة ولائهم للسلطة الحاكمة ليسهل على الإمام اختيار الأشخاص الذين يستطيعون تحمل أعباء الدعوة وسياسة الرعية، وتنفيذ أحكام الله بالعدل، وتحقيق المساواة بين الناس دون اعتبار للنسب أو الجنس أو للون، فوقع المال ونجح سلامة بن سعد في مهمته بإيجاده أرضاً بكراً وشعباً مطواعاً فنالت دعوته إقبالاً واسعاً ولم يكد يمضي على دخوله إلى المغرب عشرون سنة حتى تكونت جماعة معتبرة من الإباضين في طرابلس يتزعمها رجل يدعى : عبدالله بن مسعود التجيي الذي آزرته قبيلة هوارة التي اعتنقت المذهب الإباضي ثم تبعتها قبيلة زناتة في شرق طرابلس ونفوسة في الجبل – الذي يحمل إلى اليوم اسم جبل نفوسة – وبفضل هذه القبائل البربرية انتشر المذهب الإباضي في شمال أفريقيا.
ونشط الوجود الإباضي بمجيء حملة العلم إلى المغرب الذين بعثهم أبو عبيدة، بعد أن أخذوا العلم منه مدة خمس سنوات، تكللت جهودهم بإقامة الدولة الرستمية الإباضية في تيهرت.
"من كتاب:الفكر العقدي عند الإباضية "حتى نهاية القرن الثاني الهجري"
الدولة الرستمية
وبجهود حملة العلم تأسست دولة "الأباضية" في شمال أفريقيا، فكان إمام الظهور الأول لهذه الدولة هو: أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري أحد حملة العلم، وقد بايعه أصحابه بالإمامة في منطقة "صياد" قرب بلدة جنزور في طرابلس سنة 140 الهجري، ولعب دورا هاما في سياسة المنطقة في فترة قصيرة، التي حكمها أَيام ملك العباسيين. ثُمَّ بعد حروب متصلة بين جيوش الدولة العباسية وجموع "الإباضية" في المغرب، أفلح تلميذ آخر من تلاميذ "أبي عبيدة" وأحد "حملة العلم" وهو عبد الرحمن بن رستم الفارسي في تأسيس الدولة الرستمية بتاهرت (تيارت حاليا، وهي مدينة جزائرية)، والتي استمرت قرابة مائة وعشرين سنة (120 سنة) وازدهرت مع ازدهارها، وما هيأته من ظروف الاستقرار حركة علمية ممتازة في كل من جبل نفوسة و"تاهرت" تركت ثروة علمية واسعة ذات قيمة جليلة، وبعد سقوط الدولة "الإباضية" في "تاهرت" احتفظت التجمعات السكانية "الإباضية" بنوع من الاستقلال الديني والسياسي، مكنها في متابعة تلك النهضة العلمية التي تقوم على رعايتها مجالس العلماء، التي عرفت في اصطلاح الإباضية "بمجالس العزابة"، فاتصل الإنتاج العلمي بين "إباضية" المغرب في مختلف العلوم الإسلامية حتى أَيامنا هذه.
رغم تلك الجفوة التي اصطنعتها ظروف السياسة في تاريخ الأمة الإسلامية بينه وبين سائر مذاهب الأمة فإن المذهب يمثل في واقعه صورة من صور الإسلام الأصيل، في عقائده وفقهه ومسلك أتباعه، ويتميز تاريخه الطويل بذلك الصراع المتصل لإقامة وجود سياسي للعقيدة الإسلامية، ممثلا في إمامة عادلة في حال الظهور، أو في السعي المتصل لإقامتها في مسالك الدين الأخرى في أطوار "الدفاع" أو "الشراء" أو "الكتمان". ولا يزال لهم بقايا في الجزائر وعمان وزنجبار.
ظهر المذهب الإباضي في القرن الأول الهجري في البصرة، فهو أقدم المذاهب الإسلامية على الإطلاق وقد نشره عبد السلام الدولان والتسمية كما هو مشهور عند المذهب ،جاءت من طرف الأمويين ونسبوه إلى عبد الله بن أباض وهو تابعي عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبد المالك بن مروان، وعلة التسمية تعود إلى المواقف الكلامية والجدالية والسياسية التي اشتهر بها عبد الله بن أباض في تلك الفترة.
أن الإباضية خرجوا على الدولة الأموية أو العباسية خروجا سياسيا وخروجا دينيا. ولم يكونوا راضين عن سياسة الأمويين.
الأباضية يعتقدون أن كل من نطق بكلمة الشهادة فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم فلا يستحلون دماء أحد من أهل القبلة إلا بالحق الذي بينته وحددته الشريعة الإسلامية كالردة وقتل النفس وما شابه ذلك. ولا يستحلون مال أحد إلا بالطرق التي رسمتها الشريعة الإسلامية للتعامل بين الناس: فريضة في كتاب الله، هبة عن تراض، بيع عن تراض وما في معناها. أما قتل الأبرياء وسبي الأطفال والنساء فقد حالت دونها كلمة التوحيد، ولا يستحلون هذا حتى من البغاة مهما بالغوا في مسلكهم الظالم. فالاعتبارات التي سمي الخوارج من أجلها خوارج لا وجود لها عند الإباضية.(1)
"من الموسوعه الميسرة في الأديان والأحزاب المعاصرة"
علاقة إباضية عمان مع القوى الإسلامية وغير الإسلامية المعاصرة لهم:
إن الحديث عن علاقة الإباضية في عمان بالإباضية في مصر والمغرب وغيرهما من البلدان الأخرى يكاد من الموضوعات الصعبة للغاية والتي تشكل عبئاً كبيراً على الباحث الذي يريد أن يتطرق في بحثة ودراسته لهذا الموضوع والسبب يرجع إلى ندرة المعلومات عن هذه العلاقات التي تركها لنا قدامى الكتاب والمؤرخين وهي مجرد إشارات عابرة خلال الحديث عن علماء مذهب الإباضية في هذه البلدان فضلاً على أن الكثيرين من الكتاب والمؤرخين كانوا يقفون من المذهب الإباضي موقفاً معادياً على طول الخط لا لشيء اللهم إلا تأييداً ومساندة لخلفاء الدولة العباسية وحكام بعض البلدان الذين تصدوا للإباضية وبذلوا الجهد الكبير للقضاء عليها تماماً أو اضعافها على الأقل.
إذ كانت الإباضية بأفكارها السياسية المستقاه من القرآن والسنة تشكل خطراً كبيراً عن الالتزام والعمل بما جاء في القرآن والسنة وبخاصة فيما يتصل بنظام الحكم ومشملاته.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلت للقضاء على الإباضية إلا أنها بدعاتها المخلصين لم تضعف أو تستسلم بل استطاع دعاة هذا المذهب – على الرغم مما لاقوة من اضطهاد بني أمية وبني عباس – أن يحققوا نجاحاً كبيراً في نشر أفكارهم وترسيخ أقدامهم وذلك بفضل رغبتهم الشديدة في نشر دعوتهم وبث أفكارهم.(1) صـــ139ـــ
وقد ساعدهم على ذلك ماكان يمتاز به مذهبهم من اعتدال وماكان يدعوا إليه من إصلاح ومساواة وعدالة وما كان ينادي به من تطبيق لهذه المبادئ في ضوء أخوة الإسلام التي تجمع الجميع ولا تفرق بين عربي ومصري وبربري عملاً بقول الله تعالى : ((إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه : ((لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)).
وكان لدعاة المذهب الإباضي دور كبير في نشر المذهب الإباضي بين مواطنيهم وبين غيرهم فازداد انتشار وكثر اتباعه. وكان الحج فرصة أو وسيلة أخرى ساعدت على نشر المذهب الإباضي بين الحجيج من خلال قيام علماء المذهب بالدعوة إلى مذهبهم بإلقاء الدروس والمواعظ والإجابة على الأسئلة وإعطاء الفتاوى وعن طريق المناظرات التي كانت تقوم بينهم وبين غيرهم من علماء المذاهب الأخرى.
فضلاً عما كان يقوم به التجار من نشاط كبير في الارتحال والانتقال بين عمان وغيرها من البلدان مما كان له أثر كبير على دفع الحركة الإباضية إلى الأمام حتى انتشر المذهب بين الكثيرين في مصر واعتنقه عدد هائل من البربر في بلاد المغرب الأدنى والأوسط وأدى في النهاية إلى قيام الدولة الرستمية الإباضية في هذه البلاد سنة (160هــ \777م) والتي استمرت فترة طويلة من الزمن.
وكان من الطبيعي قيام علاقات بين هذه الدولة وبين الإباضية في البلدان الأخرى ومن ثم كان من الضروري تتبع هذه العلاقات على اختلاف أشكالها من سياسة ومذهبية وثقافية وتجارية لبيان كيف دعمت هذة العلاقات من أواصر الصداقة والقربى والأتصال والترابط بين إباضيه هذة البلدان رغم بعد الديار ومشقة الأتصال.(2)
"من كتاب: كتاب: الإباضية في الخليج العربي في القرنين الثالث والرابع الهجريين"
صــ140ــ
علاقة إباضية الخليج العربي مع مصر
( أ ) العلاقات السياسية :
لم يكن لمصر علاقات سياسية بإباضية الخليج العربي وذلك بالمعنى المتعارف عليه بالنسبة للعلاقات السياسية.
إذ إن مصر في هذه الفترة أومنذ أن قام بفتحها عمرو بن العاص في عام (20هــ \640م) وحتى منتصف القرن الثالث للهجرة أو حتى قيام الدولة الطولونية في القرن الثالث الهجري (254 \868م) لم تكن مصر دولة مستقلة حتى يمكنها إقامة علاقات سياسية مستقلة مع غيرها من الدول ولكن الصحيح أن مصر كانت ولاية من بين ولايات الدولة الأموية ثم إحدى ولايات الخلافة العباسية بعد ذلك والخلافة الأموية ثم العباسية كانتا تعارضان وبشدة الخوارج وتعملان من أجل القضاء على نشاطهم ونفوذهم بل وجودهم في أي من بقاع الأرض التي كانت تحت سيطرة الخلافتين فضلاعن الدعاية الأموية ثم العباسية التي نشطت نشاطاً كبيراً في حرب الخوارج والتشنيع عليهم والتشهير بهم والإساءة إليهم والتشكيك فيهم وفي أهدافهم وذلك من خلال كافة الوسائل الرسمية وغيرالرسمية مشروعة كانت أم غير مشروعة كأن الخوارج ليسزا من المسلمين بل هم قوم آخرون.
ويضاف إلى ذلك عامل أخر كان له دور في ألا تكون لمصر علاقات سياسية بالمعنى المعروف مع الغباضية في الخليج العربي وهذا العامل هو أن مصر كانت ولاية سنية تتبع خلافة سنية تناهض الإباضية وتسعى للقضاء عليها.
ولعل سعي إباضية الخليج العربي الدءوب من أجل الاستقلال عن الخلافة العباسية – بينما تتبع مصر هذه الخلافة – كان له أثره الواضح في عدم قيام علاقات سياسية واضحة بين إباضية الخليج العربي ومصر.(3)
صــ141ــ
ومع كل ذلك يمكن القول : إن إباضية الخليج العربي كان لهم دورهم فيما يجريبمصر من الاحداث السياسية حيث تشير بعض الروايات التاريخية إشارات عابرة إلى إباضية البصرة وعمان كذلك كانوا وراء اتصال عبدالله بن يحيى الكندي إمام الإباضية في حضرموت واليمن (سنة 128هــ \744م) بإباضية مصر وكان هذا الإمام قد نجح في تولي الإمامة بتأييد وموافقة إباضية البصرة. كما قام وبمساعدة عسكرية من أباضية عمان والبصرة بثورة ضد الحكم الأموي حيث تمكنت جيوشه من احتلال بلاد الحجاز وتلقب بطالب الحق (سنة 160هــ \777م)
ومن ثم فإن إباضية الخليج العربي في البصرة وعمان كانوا يتصلون بالإباضية في مصر لتحريضهم ضد ولاتها سواء كانوا من قبل الخلافة الأموية أو من قبل الخلافة العباسية وساعد على استجابة الكثيرين من اهل مصر لدعاة الإباضية في الخليج العربي أن عدداً كبيراً من اهل مصر كانوا قد اعتنقوا المذهب الإباضي وتعمقوا في دراسته حتى صار منهم علماء وفقهاء وصلوا إلى مرتبة الفتيا.(4) من كتاب: الإباضية في الخليج العربي في القرنين الثالث والرابع الهجريين "صــ 142ـــ
( ب) العلاقات المذهبية :
يبدو أن العلاقات بين أباضية الخليج العربي وأباضية مصر كانت في معضمها علاقات مذهبية.
إذ انتشر المذهب الإباضي بين الكثير من المصريين بداية من القرن الثاني للهجرة وظل موجوداً بينهم عل امتداد القرنين الثالث والرابع الهجريين إلى عصر صلاح الدين الايوبي في القرن السادس الهجري. وكان هناك عوامل وأسباب أدت إلى انتشار المذهب الإباضي في مصر من بين هذه العوامل والأسباب ماهو رئيسي ومنها ما هو ثانوي.
الاسباب الرئيسية :
1) اضطهاد الإباضية في البصرة وعمان.
ففي البصرة لجأ العمال الأمويون والعباسيون إلى سياسة البطش والتعذيب والنفي والقتل ضد معارضيهم بصفة عامة ولم يستثنوا من هذه السياسة جماعة القعدة أو جماعة المسلمين الي عرفت باسم الغباضية فيما بعد.
الاسباب الثانوية:
1) تكاتف وجود الأزد في مصر.
إن تكاتف الأزد في مصر ساعد على انتشار المذهب الاباضي فيها أو على الاقل أضفى على رجال هذا المذهب من علماء ودعاة.(5)صـ 143 و 144ــــ
( جـ ) العلاقات الثقافية :
قامت بين الإباضية في عمان وبين الإباضية في مصر علاقات ثقافية وطيدة وقوية وكان لهذه العلاقات أثرها الفعال والأكيد في توثيق الروابط وازدياد الصلات بين الجماعتين. وقد تعددت مظاهر هذه العلاقات الثقافية وتنوعت.
1) الزيارات والرحلات المتبادلة بين علماء الإباضية.
لقد قام علماء الاباضية في عمان برحلات إلى مصر وقام علماء الاباضية في مصر برحلات إلى عمان غير أن هذه الرحلات كانت قليلة أو نادرة في القرن الثاني الهجري ثم تتابعت وزادت فيما تلا ذلك على امتداد القرنين الثالث والرابع للهجرة.
وكان شعيب بن المعروف أول علماء الإباضية في مصر قد قام برحلات إلى البصرة والمغرب وكان بصحبته مجموعة من علماء الإباضية
2) التقاء علماء الإباضية في موسم الحج في مكة.
لقد تم التقاء علماء أباضية عمان بعلماء أباضية مصر في بلاد الحجاز منذ وقت مبكر واستمر طوال عصور التاريخ الإسلامي ومن العوامل التي ساعدت على استمرار هذا اللقاء وهو أن الاباضية كانوا من أكثر الناس حجاً.(6)صــ 147ـــ
3) تبادل المراسلات والكتب العلمية والفقهية والأدبية.
لم يكن اللقاء في موسم الحج متاحاً للكثيرين من الحكام والأئمة الإباضية إذ كان المشهورون منهم لا يذهبون إلى الحج خوفاً من ان يقعوا في قبضة العباسيين فيكون اضطهادهم وتعذيبهم وسجنهم كما حدث مع ابن الغمام أفلح بن عبد الوهاب الذي أودعه العباسيون السجن في بغداد.
فاستعاض علماء الإباضية بالمراسلة عن الحج حيث كانوا يتراسلون فيما بينهم فيرسل بعضهم بالأسئلة والاستفسارات ويرد عليهم اخوانهم في شكل رسائل مطلة او فتاوي قصيرة.(7)صــ 148و 149ـــ
ووصلت كتب إباضية عمان إلى مصر . وكانت هذه الكتب تصل إليهم على أيدي العلماء الذين كانوا يتبادلون الرحلات والزيارات ومع التجار وأثناء موسم الحج الذي كان فرصة ممتازة لالتقاء إباضية عمان والبصرة بإباضية مصر.
( د ) العلاقات التجارية.
لقد اشتغل كثير من العلماء والإباضية في كل من عمان ومصر وغيرهما من البلدان التي يتواجد فيها الإباضية بالتجارة أثناء الزيارات التي قام بها بعضهم للبعض الأخر.
وكان العمل في التجارة أثناء مرحلة السرية للدعوة الأباضية وسيلة للكسب ووسيلة للتخفى والنجاة من مطاردة الأمويين والعباسيين ولقد نشط الأباضية في التنقل بتجارتهم من بلاد المشرق إلى مصر إذ كانوا تجارياً من الطراز الأول وكانوا يعتمدون في حياتهم بصفة رئيسية على التجارة.
وقد استغلوا هذه الفرصة أحسن استغلال حيث دعموا علاقاتهم بالبلدان الإسلامية بصفة عامة وبالبلدان الإباضية المذهب أو التي يوجد ببها أباضية مثل مصر بصفة خاصة ساعدهم على ذلك وجود طرق عديدة برية وبحرية تربط فيما بين البصرة وعمان وبين مصر وبلاد المغرب.
وكان هناك طريقان آخران يربطان مصر تجارياً بعمان والبصرة أولهما : هو الطريق البحري الذي يصل ميناء القلزم (السويس) بزبيد وعدن مباشرة عبر البحر الأحمر وثانيهما : الطريق الذي يمر عبر نهر النيل أو على شاطئه حتى مدينة قوص في أعالي صعيد مصر ومنها يجتاز التجار الصحراء الشرقية إلى ميناء عيذاب أو ميناء القصير وهما الميناءان المصريان اللذان يقعان على البحر الأحمر ومنهما يركب التجار هذا البحر إلى زبيد أو عدن.(صـــ150 و151ــــ
علاقات إباضية الخليج العربي بإباضية المغرب العربي.
لقد انتشر المذهب الإباضي انتشاراً واسعاًبين المغاربة وحقق نجاحاً منقطع النظير حتى استطاع هؤلاء المغاربة أن يقيموا لهم دولة أباضية سنة 134هــ 753م وكذلك سنة 160هــ 777م وهي الدولة الرستمية التي شمل سلطانها معظم أراضي المغربين الادنى والأوسط.(9)
أ- العلاقات السياسية :
لقد نمت العلاقات بين أباضية عمان وأباضية المغرب في ظل دولتي الأباضية في المغرب أولهما دولة أبي الخطاب عبد الاعلى بن السمح المعافري التي أقامها في عام 140هــ \757م في بلاد المغرب الأدنى وخوصاً في إقليم طرابلس وجبل نفوسه وامتد حكمها ليشمل جزءاً كبيراً من ولاية افريقيا وبخاصة القيروان والمناطق المحيطة بها وثانيهما الدولة الرستمية التي أقامها عبدالرحمن بن رستم الفارسي في عام 160هــ \776م في تاهرت في بلاد المغرب الأوسط وامتد حكمها ليشمل معظم بلدان المغربيين الأدنى والأوسط وعاصرت قيام إمامة الظهور (في عمان سنة177هــ \794م).(10)
فقد قامت الدولة الأولى للأباضية في بلاد المغرب بجهود الدعاة الذين أرسلهم مشايخ المذهب الأباضي في عمان ولم يتم اختيار أبي خطاب لإمامة ورياسة الدولة إلا بإشارة شيخ المذهب وإمام الكتمان في البصرة وهو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة.
وتوطدت العلاقات بين مركز الدعوة في البصرة وبين قواد الدعوة والدولة في بلاد المغرب وكان أباضية البصرة حريصين كل الحرص على نجاح واستمرار هذه الدولة الوليدة.
ومع بدء قيام الدولة الإباضية الثانية (الرستمية) حرص أباضية عمان والبصرة على مساندة الدولة بكل ما لديهم من إمكانات مادية وغير مادية وذلك من خلال الاعتراف بإمامها إماماً لكل الأباضية سواء في المشرق أم في المغرب وبتقديم العون لها من الناحية المادية والمساهمة في حل مشاكلها السياسية والمذهبية بإرسال النصائح والفتاوي اللازمة لحل هذه المشاكل.
وقد اعترف أباضية عمان بإمامة عبد الرحمن بن رستم وان إمامته أصبحت لازمة لأباضية المشرق والمغرب معاً.
وكان أباضية عمان يرسلون رسلهم لتفقد أحوال أباضية المغرب والوقوف على مشاكلهم ولتوطيد أواصر الصداقة والمودة والتواصل معهم في جميع الأحوال والظروف.(11)
ب- العلاقات الثقافية :
لقد كانت للعلاقات الثقافية الوطيدة التي قامت بين الأباضية في عمان والأباضية في المغرب أثر فعال في توثيق الروابط وازدياد الصلات بين الجماعتين وقد تعددت مظاهر هذه العلاقات وتنوعت .
( أ ) الزيارات والرحلات المتبادلة بين علماء الأباضية:
تشير المصادر الأباضية إلى وصول عالم أو علماء من أباضية البصرة إلى جبل نفوسه بليبيا ثم إلى تاهرت بالجزائر لزيارة أهل الدعوة من الأباضية وللإطلاع على أحوالهم في هذه البلاد ولاختيار مدى تعمقهم في المذهب ومدى دراستهم له.
وقد خرج العالم الكبير أبو غانم بشر بن غانم الخراساني من البصرة متوجهاً إلى بلاد المغرب لزيارة الإمام عبد الوهاب بن عبدالرحمن بن رستم (سنة 160هــ \777م) وفي جبل نفوسه وقبل ان يصل إلى تاهرت التقى بعالمها الكبير عمروس بن فتح النفوس وترك معه مدونته للاطلاع عليها فقام عمروس بنسخها . وقد تمكن الأباضية في جبل نفوسه من كتابة القرآن وحفظه على يد هؤلاء الواردين المشارقة الذين كانوا يمرون بهذا الجبل.
ولاشك أن علماء الأباضية الذين توافدوا إلى المغرب كانوا يفدون إلى مصر أولاً يستقرون فيها بعض الوقت حيث يقابلون من فيها من الأباضية ويتعرفون على أحوالهم ثم يقومون باستئناف الرحلة لزيارة إخوانهم من أباضية المغرب .(12)
( ب ) إلتقاء علماء الأباضية في موسم الحج في مكة :
تم اللقاء بين علماء أباضية عمان وعلماء أباضية المغرب في بلاد الحجاز منذ وقت مبكر واستمر طوال عصور التاريخ الإسلامي ولقد دفع علماء الأباضية في المغرب للتجمع في بلاد الحجاز في موسم الحج هو تشجيع الأباضية للعلم والعلماء وحرصهم على التعليم وكان اللقاء في مكة هو احد الوسائل الهامة لتحصيل هذا العلم.
وتتواتر الاخبار باشتغال معظم الائمة الرستمين الآخرين بالفقة والعلم مما شجع كثيراً من الناس على طلب العلم وتحصيله والاشتغال به وتعليمه ولذلك كثرت الرحلة في طلبه وكان الحج من الرحلات المفيدة في هذا الصدد.(13)
ومن المجاورين من علماء الأباضية بمكةالفقيه أبو مروان العباس بن الوضاح وسفيان بن محبوب الكندي وهما المغربة.
( جـ ) تبادل المراسلات والكتب العلمية والفقهية والأدبية:
وفي حالة تعذر اللقاء بين علماء الأباضية في كل من عمان والمغرب او تعذر الانتقال إلى مكة فإن الأباضية كانوا يستعصون عن ذلك بالمراسلة . فقد كانوا يتراسلون فيما بينهم للاستفسار وإصدار الفتاوي.
فقد قام محمد بن محبوب بن الرحيل سنة 260هــ 873م وكان يعيش في عمان بالكتابة إلى أهل المغرب في شأن الذين يقومون بأعمال تخالف ما يأمر به الإمام كما أنه كتب على لسان إمام عمان الصلت بن مالك 237هــ 851م -273هــ 886م رداً على بعض الأسئلة التي كان قد أرسلها إليه أهل المغرب بخصوص العالم أو الإمام أو القاضي أو العامل الذي يتلقى الهدية من الناس.(14)
ومن الكتب العمانية الهامة التي وصلت إلى بلاد المغرب كتاب الدعائم لأحمد ابن النظر العماني وكان هذا الكتاب محل دراسة وتقدير حتى إن الإباضية هناك كانوا يعتبرون ماخالفه فهو مخالفاً للسنة.
وكما أفاد المغاربة من كتب العمانيين من الاباضية فقد استفاد العمانيون من الأباضية من كتب المغاربة وذلك من خلال لقاءاتهم بالعلماء المغاربة الذين كانوا يرحلون إلى عمان أو عند لقائهم بهم في مكة أثناء موسم الحج.
ج- العلاقات التجارية :
كان اشتغال كثير من العلماء والحجاج الأباضية في المشرق والمغرب بالتجارة فرصة عظيمة للدعوة إلى المذهب ووسيلة للكسب وكان للطرق التي ربطت بين مصر وبلاد المغرب سواء البحرية أم البرية أم الصحراوية دور كبير في ازدهار النشاط التجاري بين الخليج العربي والمغربي العربي.
وقد بلغ من كثرة التجار الذين كانوا يفدون من المشرق (الخليج العربي) ومصر إلى بلاد نفوسه وإلى تاهرت وسائر بلدان الاباضية في المغرب العربي أن بعض علماء نفوسه حفظوا القرآن وتعلموا العلم عن طريق جلوسهم في الطريق التي يمر بها هؤلاء التجار الاإباضية إذ كانوا ينتظرون قدومهم ويترقبون حضورهم فيجلسون بين أيديهم ويأخذون عنهم ويتعلمون منهم ثم ينتظرون قافلة أخرى يتعاملون معها بنفس الأسلوب
وكان من نتائج العلاقات بين أباضية المغرب وأباضية عمان تدعيم الدولة الأباضية في بلاد المغرب وعمان في المجالات السياسية والمذهبية والمادية والثقافية كما نتج عن هذه العلاقات تحقيق الوحدة الفكرية بين أباضية عمان وأباضية المغرب فضلاً عن انتشار الإسلام بين كثير من البربر وبخاصة في الصحراء الكبرى وبين السودانيين والزنج جنوب هذه الصحراء وكان ذلك بفضل دعاة المذهب الأباضي القادمين من المشرق.
ومن النتائج الأخرى التي ترتبت على توثيق أواصر العلاقات بين إباضية عمان وإباضية المغرب تشجيع ودعم حركة التعريب في بلاد البربر.
ونسمع أنه يوجد في بلاد المغرب أسر ومدن كانت ولا زالت تحمل أسماء عمانية مثال أوزكي وهي احدى مدن الدولة الرستمية وكما يلاحظ فغن هذه المدينة تحمل نفس اسم المدينة العمانية أزكي.
وهناك أثر آخر لهذه العلاقات وهو انتقال الفن المعماري المشرقي في بناء إلى الدولة الرستمية وإلى افريقيا الغربية ويظهر ذلك في بناء المآذن المدرججة والمحراب المثلث. (15)
علاقات إباضية الخليج العربي مع الهند.
لقد كان لعمان في ظل الإباضية نشاط تجاري في الهند.
ومما سهل على العمانيين هذا النشاط وجود بعض المنازل التي بناها العرب من عمانيين وغيرهم على الساحل الغربي لبلاد الهند.
ومما يساعد أيضاً على انتشار الاسلام بين الهنود أن سكان المستوطنات والمراكز التجارية التي أقامها العمانيون وغيرهم من العرب والمسلمين كانوا يستقرون فيها لمدة طويلةوكان بعضهم يستقرون فيها نهائياً ويصاهرون السكان المحليين ويتخذون لغتهم وكثيراً من عاداتهم وتقاليدهم التي لا تتنافى مع الإسلام وبذلك كانوا مؤهلين تماماً كدعاة أباضيون لنشر الإسلام في هذه البلاد وخصوصاً بين الهنديات اللاتي تزوج من هؤلاء الوافدين وأيضاً بين الهنود الذين ارتبطوا معهم بعلاقات تجارية.(16)
وتقدمت الحركة الإسلامية في الساحل والداخل بفضل العمانيين ونتيجة لعوامل أخرى ترتبط بأحوال الهنود أنفسهم منها سوء أحوالهم الاجتماعية الذي يرجع إلى نظامهم الطبقي وسيطرة رجال الدين على الناس واستغلالهم لمصلحتهم والاهانات والاحتقار الذي تعرضت له الطبقات الدنيا على أيدي أخوانهم في الدين.
وقد سهلت هذه الأحوال عملية التحول إلى الإسلام بين كثير من الهنود نظراً للمزايا العديدة التي يقدمها الإسلام لأمثال هذه الطبقات المطحونة ولذلك كان تغير الدين عند هؤلاء هو السبيل الوحيد الممهد أمامهم للخلاص فرحبوا بديانة الإسلام الذي لا يعترف بالطبقية والذي يقر مبدأ المساواة بين الناس جميعاً ولا يفرق بين إنسان وآخر على أساس الجنس أواللون أو العنصر أو الوضع الاجتماعي أو المالي ومن ثم انتشر الاسلام في كل مكان وصلة تاجر أو داعية أو فقية اسلامي وخاصة في سواحل الهند وهضبة الدكن وغيرها من أنحاء الهند.(17)
علاقات إباضية الخليج العربي مع أندونيسيا.
كان لازياد النشاط الملاحي والتجاري لإباضية عمان وغيرهم وتأسيسهم المستوطنات للتجارة والإقامة أثر كبير في أن انتشر الإسلام تدريجياً بين الأهالي في جزيرة سومطرة وجاوه حتى بورينو وجزيرة سلبيس.
وكان الإسلام أسبق في الوصول إلى سومطرة بحكم موقعها وقربها من مضيق ملقاد من الحركة الإسلامية النشطة في شبة جزيرة الملايو وقد تردد التجار الإباضيون من عمان على مواني سومطرة وكان لهم دور وجود النشاط في هذه الجزيرة . وقد تكاثف هذا الوجود وازداد غلبة وتأثيراً لدرجة أن اهل هذه الجزيرة كانوا جميعاً مسلمين.
وقد استجاب أهل أندونسيا للإسلام وحافظوا على تقاليده وقد ظهرت هذه الإستجابة واضحة في وجود المساجد أثرية قديمة كثيرة العدد بغير زخارف مما يدل على انها من بناء التجار وأمور أخرى منها أنهم اخذوا بالأبجدية العربية في كتابة لغاتهما هيأ الفرصة لانتشار مفردات وكلمات عربية كثيرة في هذه اللغات .(18)
وفي جزيرة سلبيس دخلت القبيلتان اللتان تسيطران على الجزيرة في الإسلام وهما ماكبتار والبوجى ثم لم تلبث قبيلة الغور التي تقطن الداخل أن أسلمت هي الأخرى وكان عدد من الدعاة والتجار العرب عمانيين وغير عمانيين قد وصلوا إلى هذه الجزائر وأقام بعضهم فيها مما أدى غلى رسوخ الإسلام وازدياد انتشاره بين الناس حتى أسلم الملك فأسلمت الرعية قرب نهاية العصور الوسطى.(19)
وقد وصلت الدعوة إلى الإسلام إلى الجزائر الفلبين أيضاً على يد دعاة من تجار العرب وخاصة العمانيين.
وهكذا كان لجهود الإباضية في الخليج العربي دور كبير في نشر الإسلام في هذه البلاد.
علاقات إباضية عمان مع البحرين.
قامت علاقات قوية بين إباضية عمان والبحرين التي كانت اسمها يطلق قديماً على المنطقة الممتدة من ظفار حتى قطر وكانت تتداخل مع منطقة البحرين القديمة التي كانت تسمى جزيرة ابن كاوان والتي كان أهلها شراة (أباضية) مثل عمان مما يدل على مدى التداخل بين البلدين وبذلك كانت عمان دولة كبيرة المساحة واسعة النفوذ.
وحدود عمان قبل ظهور الإسلام كانت تمتد لتتداخل مع حدود البحرين بمفهومها القديم الذي كان يشمل الأحساء وكان ملك عمان قبل الإسلام يمتد نفوذه السياسي احياناً ليشمل البحرين.
وقد تعرض أهل عمان لاضطهاد وغزو القرامطة من البحرين عدة مرات كانت أولاها قبيل نهاية القرن الثالث للهجرة.
وتصدى أباضية عمان للقرامطة هؤلاء الذين كانوا قد استطاعوا السيطرة على اجزاء كثيرة من عمان منتهزين فرصة الصراع الداخلي القبلي الناشيء بين العمانيين انفسهم. غير ان العمانيين وحدوا صفوفهم وتصدوا للقرامطة واخرجوهم من بلادهم وتبرأوا منهم ومن افعالهم المشينة.(20)
وفي ذلك قال أبو الحواري وهو احد علماء الأباضية في عمان في القرن الرابع للهجرة : (( نحن نبرأ من أبي سعيد القرمطي ونبرأ ممن تولاه ونبرأ ممن وقف عنه ونبرأ ممن شك فيه)).
ولقد لعبت حكومة الخلافة العباسية _ القوية آنذاك_ دوراً كبيراً في الضغط على عمان وإحداث الخراب والدمار فيها بهدف القضاء على الأباضية.(21)
علاقة إباضية الخليج العربي مع شرق أفريقيا.
لاشك ان ارتباط عمان بشرق افريقيا قد بدأ منذ أمد طويل قبل الإسلام حيث عرف العرب ركوب البحر وعرفوا الانتقال من ساحل البحر الاحمر الشرقي إلى الساحل الغربي لهذا البحر الذي مازال يربط القارة الأفريقية بالجزيرة العربية باعتبارها امتداداً للمحيط الهندي جغرافياً وحياةً.
وقد كان الوجود العماني في شرقي أفريقيا بكل المقاييس – اكبر كثافة واكثر عمقاً منها في آسيا او بالتحديد جنوب شرقي آسيا ولذلك كان تأثيرهم في هذه المنطقة من قارة أفريقيا أشد وأقوى ذلك أن هجراتهم لجنوب شرقي آسيا كانت هجرات فردية وغير دائمة في أغلب الأحيان أما وجودهم في شرقي أفريقيا فلم يكن كذلك لانه اعتمد بجانب الروابط الملاحية والتجارية على الهجرة العمانية الدائمة ( فردية وجماعية ) لمناطق شرقي أفريقيا حيث تعود الشعب العماني على رحلات منتظمة إلى شرقي أفريقيا ساهمت طبيعة المنطقة الجغرافية على تثبيتها وانتظامها حيث كانت عمان أقرب البلدان في شبة الجزيرة العرب إلى ساحل شرقي أفريقيا ولذلك كان الاتصال التجاري والبشري والثقافي مستمراً وممتداً بين عمان وبين شرقي أفريقيا على مدى التاريخ. (22)
ونستطيع القول بوضوح أن كافة المصادر التاريخية تؤكد على وثوق الصلة بين عمان – في كل العصور – وبين الشرق والجنوب الأفريقي حتى أنهم وصلو إلى تنزانيا ومدغشقر وجنوب الصومال وجزر القمر ومنطقة نورديفان وكلوة وبمبا وزنجبار وأن هذا الوصول بشكل رئيسي بل بصورة وحيدة عن طريق ركوب البحر وذلك هو خط الاتصال الأول بين عمان وأفريقيا.
وقد كان لدينا دائما شك كبير في أن تكون الصلة " البحرية" هي التي وصلت وحدها بين عمان وأفريقيا بصفة خاصة – في فترات حكم الإباضية – وبالذات بعد ظهورالدويلات الإباضية في جبل نفوسة والدولة الرستمية كدويلات إباضية رستمية وقد تأكد لدينا هذا الهاجس ونحن ننظر ف علاقات تلك الدويلات وذلك الرباط المتواصل بين إباضية المغرب وإباضية المشرق ولقاءهم الدائم في موسم الحج وبعد أن استقر دويلات الإباضية في بلاد المغرب الأدنى والأوسط وقامت لهم قائمتهم.
فقد أنطلق رجال الإباضية في حماسة عالية نحو الصحراء الافريقية الكبرى وعرفوا كل واحاتها وانطلقوا إلى بلاد السودان بعدها يتاجرون ويدعون إلى الإسلام وأسسوا نظاماً مستقراً للقوافل التجارية السيارة بين شمال أفريقيا الذي أصبح إباضياً في معظمه وبين غرب ووسط أفريقيا وأصبح للإباضية سيطرتهم الكاملة عليها.
وأكثر التجار الذين يرتادونها في ذلك الوقت إباضية سواء كانوا من تاهرت أو "ورجلان" أو وادي ميزاب أو طرابلس أو جبل نفوسة أو حتى من الإباضية الوافدين من بلاد المشرق والذين وصلوا في رحلاتهم إلى بلاد سجلماسه وبلاد السودان وكان الطريق الذي يربط بين ليبيا وحوض بحيرة تشاد أو من طرابلسوزويلة يسيطر عليه أباضية جبل نفوسه وأباضية فزان.(23)
العلاقات الخارجية الثقافية:
كان العلاقات الثقافية الخارجية للأباضية مع شرق أفريقيا تعتمد على الأساس المذهبي بشكل أساسي شأنها شأن كل التوجهات المذهبية وإن كان الإباضية في علاقاتهم الأفريقية بالذات قد أثبتوا حسن نيتهم المذهبية – إن جاز التعبير – حيث حرصوا أشد الحرص على نشر الإسلام أولاً ثم فكروا في أي شيء أخر بعد ذلك.
ومع قراءة المصادر التي تتحدث عن تلك العلاقات الأفريقية تنوعت الأوصاف لسكان تلك القارة مابين البربر أو السودان أو الزنج أو البانتو وقد وجدناها كلها مؤشراً لشيء واحد هو ساكن أفريقي.
وهكذا نستطيع القول أن الإباضية في القرنين الثالث والرابع الهجريين قد أثروا في البربر أو السودان أو الزنج أوالبانتو تأثيراً دينياً كبيراً أبسط مايقال عنه تحول هذه القارة من الوثنية إلى الديانة – وأي ديانة – إنها الإسلام, إلا من المناطق التي صعب على رجال الإباضية الوصول إليها.
صيدلانية عضو جديد
عدد المساهمات : 16 متغير : 0 تاريخ التسجيل : 24/09/2011 العمر : 32
يقول الأباضية: أن الله واحد في ذاته وصفاته وان ذات الله وصفاته شيء واحد ولا يشاركه فيه شيء ما بأي حال من الأحوال وبأي وجه كان مع الإقرار والاعتقاد بأن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله أي : أن الله هو المالك الوحيد الخالق لهذا الكون والمدبر الوحيد الكامل لكل ما يقع من أحداث وان محمد رسول الله خاتم الأنبياء والرسل ورسالته حق على العالمين مع الإلزام بتطبيقها وأتباعها في هذه الحياة.
الأصل الثاني : الصفات الإلهية
يؤكد الأباضية على التنزيه المطلق لله عز وجل لقوله تعالى "ليس كمثله شيء"، فصفاته لذاته هي ذاته لا غيرها، بمعنى أن الله عز وجل غني بذاته سميع بذاته حي بذاته بصير بذاته وهكذا في بقية الصفات لكن المذاهب الكلامية الأخرى قد اختلفت في ماهية الصفات الإلهية
فالأشعرية ترى أن صفات الله غيره وهي قديمة بقدمه الله معنى هذا أن العلم صفة ثابتة قديمة من صفاته الله ولكنها ليست جوهره أي ذاته. فلا يقال أن الله مريد بإرادة وإرادته ذاته، أما الأباضية تقول: أن صفات الله هي عين ذاته والله قادر بذاته أي أن ذاته كافية في التأثير في جميع المقدورات، فصفات الله عز وجل هي عين ذاته لأن الله قديم وصفة القديم مثله في القدم.
الأصل الثالث : الإيمان
الأباضية يرون أن الدين والإيمان والإسلام أسماء لشيء واحد وهو طاعة الله وتطبيق قواعد الإسلام تطبيقًا عمليًا لذا قيل في التوحيد عند الأباضية : أن قيل لك : ما قواعد الإسلام ؟ فقل: أربعة ،العلم والعمل والنية والورع. فالإسلام لا يصح إلا بهذه الأركان الأربعة ولا يجوز الفصل بين القول والعمل.
القول هو: الإقرار بالله انه لا اله إلا هو وبمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي بأنه عبد الله ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وختم به أنبيائه وفضله على جميع خلقه، والإتيان بجميع أركان الإسلام واجتناب جميع المحرمات والوقوف عند الشبهات، فهذه الأصول تناقض رأي المرجئة التي ترى أن الأعمال شيء واحد وان العمال شيء آخر، فالإيمان في زعمها هو التصديق بالقلب فقط إلا أن الأباضية يؤكدون أن الإيمان بدون تطبيق فرائض الإسلام لا معنى له وإلا أصبح فكرة جوفاء وأما الاشعرية فترى الإيمان : من أتى بالقول وضيع العمل وهذا الإنسان تراه مسلمًا عاصيًا مذنبًا فليس بمشرك. أما الأباضية فتراه فاسقًا عاصيا موحدًا ولا يخرج عن ملة الإسلام وتجري علية أحكام الإسلام والمسلمين. وقد اعتنقت المعتزلة والشيعة والزيدية رأي الإباضية في هذا الأصل.
الأصل الرابع: نفي رؤية الله عز وجل
عندما نفى الأباضية رؤية الله عز وجل تأكيدا لقوله تعالى : "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" كان ذلك عن حق منهم فهم فتحوا باب الاجتهاد والتأويل معتمدين في ذلك علي الأدلة العقلية والنقلية لتدعيم النص القرآني المتشابه بالدليل اللغوي المتمثل في لغة العرب في الجاهلية.وهذا يؤكد سمو وعلو المستوى العقلي الذي يتمتع به الفكر الإباضي في فهم وإدراك المجازات اللغوية والابتعاد عن الاتجاه التجسمي الذي لا يؤمن إلا بما هو متصور ومحسوس وله نظيرة وشبيه في الواقع المادي.
فالأباضية ينزهون كتاب الله عز وجل من الركاكة البيانية فقول الله عز وجل: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " هذه الآية جاءت صريحة في انتظار رحمة الله بعد البعث حسب سياقها القرآني ولا يستقيم المعنى اللغوي بالرؤية البصرية فالآية جاءت في وصف المؤمنيين الذين ينتظرون رحمة ربهم بإدخالهم الجنة وجاءت في مقابلها وصف الكفار الذين ينتظرون الأهوال التي تفقر عظامها ومن المعلوم لدى علماء البلاغة العربية أن المقابلة تعني أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو أكثر ثم بما يقابلها على الترتيب وسياق الآية واضح أنه في البعث وقبل دخول الجنة وتأويلها بالرؤية البصرية ليس له وجه في العربية معروف ضمن هذا السياق. وقد نقل الإمام الطبري بخمسة أسانيد عن مجاهد نفي الرؤية منها: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور عن مجاهد(إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر الثواب من ربها، لا يراه من خلقه شيء. فقوله لا يراه من خلقه شيء دليل واضح أنه لا يمكن أن يراه أحد وإذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك.
أما الأدلة العقلية فتمثلت فيما يلي: لو أمكنت رؤية الله لكان جسمًا ومتحيزًا وموجودًا في مكان أمام حواسنا أو كونه في حكم المقابلة كما في الورئى بالمرآة وكذلك عدم غاية القرب فإن المبصر إذا التصق بسطح البصر بطل إدراكه بالكلية، فبعد هذه الأدلة فإن الأباضية تجزم بامتناع رؤية الله في الدنيا والآخرة. ولكن مانراه من القواعد العقائدية بأن نقر أسماء الله وصفاته دون تأويل أو تعطيل بل بما فسره رسول الله إن فسره، أو بأن نفسرها حسب اللغة وحسب ما يتناسب مع عزة الله سبحانه وفرديته وقدرته ولا نخضعها لعقل الإنسان لذلك فقد يظن بعض الناس أنه قد أخطأ الإباضيون في إخضاع الخالق لقوانين إلمخلوقين، ولكن الله سبحانه أنزل القرآن حسب ما يتناسب مع فهم الناس "ألوا العلم خصوصا" حسب ما جاء في اللغة العربية وإلا فكيف يفهم الناس القرآن إن كان يتعدى فهم كل فرد منهم؟ وقد ذكر سبحانه في غير ما موضع "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب" "إنا أنزلناه قرءانا عربيا لعلهم يعقلون" وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم طرقا وأمثلة لتفسير القرآن الكريم نتبعها لنصل إلى الفهم الصحيح لآياته، فالإباضية لا يحكمون العقل دون النقل، ولا النقل دون العقل، بل يوازنون بين الإثنين، وخير الأمور أوسطها فلا يعموا عقولهم عن التفكير، ولا يضربوا بأقوال السلف عرض الحائط.
الأصل الخامس :القدر
الأباضية أعطت للقدر مفهومًا أصيلا يتمثل في القدرة المرتبطة بالمقدور بمعنى الكسب ،أي للإنسان القدرة على الفعل والله عز وجل خلق فينا القدرة ولا يحاسبنا على هذه القدرة بل أن الحساب ينصب على الأعمال التي اكتسبها الإنسان اكتسابًا عن طريق جوارحه وإرادته الحرة. كالمسلم الذي صام رمضان فأكل يومًا متعمدًا، فإن ظاهرة الجوع والعطش أمر جبري من عند الله لأننا لا يمكن أن نزيل دوافعنا الفطرية أما ا لتعمد في الأكل وعدم ضبط الدوافع بإرادة قوية فأمر مكتسب من الإنسان ذاته أذن ليس هناك تعارض بين إرادة الله عز وجل وعمله الأزلي القديم مسبقًا وبين كسب الإنسان، فالله يعذب على المقدور ولا يعذب على القدر.
الخلاصة إن المؤمن الصالح عليه أن يعتقد بالقدر خيره وشره انه من الله ولن يبلغ حقيقة الإيمان حتى يؤمن بذلك مع العمل الدائم وعدم التواكل اعتمادًا على سيرة الرسول وأقواله حين قال أعرابي للرسول : أرسل ناقتي وأتوكل على الله ؟ قال : بل اعقلها وتوكل.
الأصل السادس :العدل والوعد والوعيد
إن قضية الوعد والوعيد أي الثواب والعقاب تعد أصلاً من أصول العقائد الأباضية، فهي المرتبطة بالعدل الإلهي الذي يعطي لكل ذي حق حقه ولا ينسب إليه الجور والظلم تعالى الله عن ذلك، فلا يحكم على أحد بما ليس أهلاً له، ولا يفعل بأحد ما لم يكن أهلاً له فحكمه على القاتل بالقتل عدل، وقطع يد السارق عدل، ورجم الزاني والزانية عدل، وعد الطائع بالجنة عدل، وتوعد العاصي بالنار عدل وعقاب إن مات بدون توبة. وإلا أصبحت أوامر الله كاذبة ومتناقضة مع النصوص القرآنية وعدالته المطلقة فالله عادل لا يظلم أحد وسوف ينفذ وعيده الخالد الأبدي في حق لكافرين العصاة وكذلك سينفذ وعده الخالد الأبدي في حق المؤمنين الصادقين، فالأباضية دحضوا رأي المرجئة والحشوية بالدليل العقلي والنقلي حين زعموا أن الله سيخلف وعيده لأهل الكبائر والعصاة من المسلمين ولا يخلف وعده وعللوا ذلك بقول القرآن :" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا انه هو الغفور الرحيم ". ولكنهم أجيبوا بالدليل النقلي في قول القرآن :" ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها وله عذاب مهين " صدق الله العظيم
الخلاصة أن الأباضية يرون أن أهل الكبائر من المسلمين بدون توبة كانوا عصاة أو فاسقين فهم مخلدون في النار أبدًا ودائمًا وأما المؤمنون فهم مخلدون في الجنة دائمًا وأبدًا.
الأصل السابع : الشفاعة
يرى الأباضية أن شفاعة النبي لن تكون لمن مات وهو مصر على الكبائر وإنما تكون للمؤمنين كافة لتخفيف عليهم يوم الحشر والتعجيل بهم للدخول في الجنة أو زيادة درجة لبعض المؤمنين الذين ماتوا على الوفاء والتوبة النصوح. وفي هذا قال الامام نور الدين السالمي وأنه من أطاع الله يدخله*** جناته أبدا لا يبتغي نقلا ومن عصاه ففي النيران مسكنه*** ولم يجد مفزعا عنها فينتقلا وما الشفاعة إلا للتقي كما*** قد قال رب العلا فيها وقد فصلا والمؤمنون عن النيران قد بعدوا*** وما الورود لهم بل للذي انخذلا
الأصل الثامن : خلق القرآن الكريم
الأباضية تؤكد على أن القرآن الكريم كلام الله وانه مخلوق له الله لفظه وكلماته سوره ومعناه إلا ما قام الدليل على قدم معناه فقط كلفظ الرحمن الرحيم لوصفه الله له بكونه منزلاً من عنده وهذه الفكرة مرتبطة بالتصور النقي الخالص لفكرة التنزيه للذات الإلهية عن كل مماثلة لما يحتمل تصوره ووجوده من المحدثات الحسية الواقعية فالقرآن الكريم شيء من الأشياء الموجودة فهو يكون محدثًا أي مخلوقًا أو غير محدث والله الخالق لكل شيء والدليل على ذلك قول القرآن :"إنا جعلناه قرآنًا عربيًا " وقول القرآن: "وجعلنا الليل والنهار آيتين " هذه الآية الأخيرة في غير القرآن من الخلق ثم أن الله عز وجل بين أن القرآن الكريم محدث فقال :" ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون " وقال :" ولقد جئناكم بكتاب فصلناه على علم " وقال في غير القرآن من الخلق :" وكل شيء فصلناه تفصيلا" ولقد قال الله تعالى في غير موضع من القراءن النص صراحة فقال : "الله خالق كل شيء" صدق الله العظيم
الأصل التاسع : لا منزلة بين المنـزلتين
في هذه القضية قضية الكفر والإيمان التي أثيرت في الفكر الإسلامي : هل المسلم إذا ارتكب كبيرة من الكبائر يفقد صفة الإيمان ؟ فيقول الأباضية في هذه القضية: أن من أقر بوحدانية الله ورسالة محمد ولكنه ضيع الفرائض الدينية أو ارتكب كبائر، فتسميه موحدًا وليس بمؤمن ولا بمشرك وان مرتكب الكبيرة يعد كافر كفر نعمة وليس كافر كفر شرك لقول القرآن: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلئك هم الكافرون " وقول الرسول :ليس بين العبد والكفر إلا تركه الصلاة.
فالكفر عند الأباضية ينقسم إلى:
كفر نعمة ونفاق: يتمثل في المسلم الذي ضيع الفرائض الدينية أو ارتكب الكبائر وأجمع بينهما
كفر شرك وجحود:ويتمثل في الإنسان الذي يجحد بالله وآياته ورسالة محمد فهنا يعد خارجًا عن ملة الإسلام.
فرأي الأباضية واضح جدًا في شأن المسلمين فهي تعدهم في الملة الإسلامية وتجري عليهم أحكام المسلمين ويحرم أن تستحل دماؤهم وأموالهم لقول الرسول : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها).
الخلاصــــــــــة:
انني أرى جميع الفرق والمذاهب الإسلامية تقف متساوية على صعيد واحد فليس فيها – بصفتها الجماعية – فرقة أفضل من فرقة ولا مذهب خيراً من مذهب. وأن في المنتمين إلى كل فرقة أو مذهب أتقياء بررة وأشقياء فجرة وسواداً أعظم وهو وسط بين ذلك.
لا اريد به الدعوة إلى المذهبية ولا الدفاع عن مذهبية وإنما اريد به تحطيم المذهبية . وأن على يقين – في نفسي – أن المذهبية في الأمة الإسلامية لا تتحطم بالقوة ولا تتحطم بالحجة . ولا تتحطم بالقانون فإن هذه الوسائل لا تزيدها الا شدة في التعصب وقوة في رد الفعل وإنما تتحطم المذهبية بالمعرفة والتعارف والاعتراف . فالبمعرفة يفهم كل واحد مايتمسك به الآخرون ولماذا يتمسكون به. وبالتعارف يشتركون في السلوك والأداء الجماعي للعبادات وبالاعتراف يتقبل كل واحد منهم مسلك الآخر برضى ويعطيه مثل الحق الذي يعطيه لنفسه ( اجتهد فأصاب أو اجتهد فأخطأ ) وفي ظل الاخوة والسماح تغيب "صـــ5ـــ" التحديات وتجد القلوب نفسها تحاول أن تصحح عقيدتها وعملها بالأصل الثابت في الكتاب والسنة غير خائفة أن يقال عنها تركت مذهباً أو اعتنقت مذهباً.
ولن تصل الى هذه الدرجة حتى يعترف اليوم أتباع جابر وأبي جنيفة ومالك والشافعي وزيد وجعفر وأحمد وغيرهم ممن يقلدهم الناس أن أئمتهم أيضاً يقفون في صعيد واحد لا رمزية لأحدهم على الآخرين الا بمقدار ماقدم من عمل خالص لله.
ثم أن المذهبية أو (الحزبية الدينية كما يفهمها المستشرقون ) لم يكن بهذا التمييز والوضوح الذي تعرفه لها اليوم لأن المذهبية في ذلك الوقت المبكر لم تتكون بعد. ويبدو لي أنك لو جئت في أواخر الرقن الأول وأوائل القرن الثاني ووقت عند باب مسجد تسأل كل خارج بعد الصلاة عن مذهبة لم تجد من يجيبك بقوله إنه سني أو شيعي أو معتزلي مثلا. ولا من يقول لك أنه حنفي أو مالكي أو إباضي. لأن هذه المذهبية لم تتكون بعد . ولكنك لو سألته ماتقول في القدر فقد يجيبك برأيه سواء كان بإثبات القدر أو نفيه . وقد ينظر إليك في إشمئزاز وينصرف وهو يعتبرك من دعاة الفتنة وقد يحملق فيك بعينين فاحصتين ثم يمضي عنك لأنه لم يفهم ماتريد.
الخاتمــــــــــــــــــة
بعون من الله ورعايته انتهيت من إعداد بحثي هذا والذي خرجت منه بالنتائج التالية:
# المذهب الإباضي انتشر في كافة العالم الإسلامي في الشرق والغرب.
# ينسب المذهب الإباضي لعبدالله بن إباض ولكن المؤسس الحقيقي له هو جابر بن زيد وهذا هو سبب تسمية الإباضيين بهذا الاسم.
#عندما انتشر المذهب في كافة أرجاء العالم الإسلامي وجدت هناك عده علاقات تربطهم مع بعض منها اللاقات الثقافية والتجارية والدينية والسياسية وتبادل المراسلات في مواسم الحج وغيرها .
# حياة الإباضين واعتمادهم على الزراعة والتجارة والصناعة وقد كانت سبب من أسباب انتشار المذهب.
# الاصول التسعة للمذهب الإباضي وقد تكون على سبيل الحصر منها التوحيد والإيمان ونفي رؤية الله عز وجل والقدر والعدل وغيرها من الأصول.
ومن الصعوبات التي واجهتني قد تكون المصادرو لكن الشغف إلى المعرفة هي من وجهني للبحث الاشمل واعتمدت على مكتبة جامعة نزوى والمكتبة الرئيسية لجامعه اسلطان قابوس والمواقع الالكترونية من الشبكة العالمية.
"وتم بحمد الله انتهاء اعداد البحث وأمنياتي بالاستفادة للجميع"
صيدلانية عضو جديد
عدد المساهمات : 16 متغير : 0 تاريخ التسجيل : 24/09/2011 العمر : 32
السلام عليكم والله البحث ماشاء الله متعوب عليه وبدك بيوم وليلة نتناقش فيه حاضر انا جاهز بس كنت مريض
اولا راح ابدا من حيث انتهيتي وهو اصول العقيدة ونبدا ب
الأصل الرابع: نفي رؤية الله عز وجل
كيف اختي وهي اية صريحة برؤية الله عز وجل ولاتحتاج الى تؤيل
لأنها لو كانت مُحالاً لم يسألها موسى فإِن الأنبياء عليهم السلام يعلمون ما يجوز على الله وما يستحيل، ولو كانت الرؤية مستحيلة لكان في الجواب زجرٌ وإِغلاظ كما قال تعالى لنوح : " فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ " هود : 46 فهذا المنع من رؤية الله إِنما هو في الدنيا لضعف البنية البشرية عن ذلك قال مجاهد: إِن الله قال لموسى : لن تراني ، لأنك لا تطيق ذلك ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشد ، فإِن استقر وأطاق الصبر لهيبتي أمكن أن تراني أنت ، وإِن لم يُطق الجبل فأحرى ألاّ تطيق أنت فعلى هذا جعل الله الجبل مثالاً لموسى ولم يجعل الرؤية مستحيلة على الإِطلاق ، وقد صرح بوقوع الرؤية في الآخرة كتابُ الله : " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ " القيامة : 22 - 23
صيدلانية عضو جديد
عدد المساهمات : 16 متغير : 0 تاريخ التسجيل : 24/09/2011 العمر : 32
السلام عليكم والله البحث ماشاء الله متعوب عليه وبدك بيوم وليلة نتناقش فيه حاضر انا جاهز بس كنت مريض
اولا راح ابدا من حيث انتهيتي وهو اصول العقيدة ونبدا ب
الأصل الرابع: نفي رؤية الله عز وجل
كيف اختي وهي اية صريحة برؤية الله عز وجل ولاتحتاج الى تؤيل
لأنها لو كانت مُحالاً لم يسألها موسى فإِن الأنبياء عليهم السلام يعلمون ما يجوز على الله وما يستحيل، ولو كانت الرؤية مستحيلة لكان في الجواب زجرٌ وإِغلاظ كما قال تعالى لنوح : " فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ " هود : 46 فهذا المنع من رؤية الله إِنما هو في الدنيا لضعف البنية البشرية عن ذلك قال مجاهد: إِن الله قال لموسى : لن تراني ، لأنك لا تطيق ذلك ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشد ، فإِن استقر وأطاق الصبر لهيبتي أمكن أن تراني أنت ، وإِن لم يُطق الجبل فأحرى ألاّ تطيق أنت فعلى هذا جعل الله الجبل مثالاً لموسى ولم يجعل الرؤية مستحيلة على الإِطلاق ، وقد صرح بوقوع الرؤية في الآخرة كتابُ الله : " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ " القيامة : 22 - 23
اولا تشكر اخ الوعد ع المبادره للمناقشه
ايه والله شوي فيه تعب بس بنفس الوقت حلو تقضي وقت ف كتابه واكتشاف شيء يخص دينا وعقيدتنا
صحيح هذا البند ينفي رؤيه الله عز وجل وهذا دليل انه المذهب متاصل بالقرآن والسنه
احس انه سمه تميزه وتعطيه اكثر ثبوتيه انه لا يخرج عن الدين
الوعد الصادق عضو فضى
عدد المساهمات : 467 متغير : 1 تاريخ التسجيل : 04/12/2010 العمر : 46